مستقبل المجلس الانتقالي في ظل الصراع الداخلي والانفلات الأمني
  • 13/10/2021
  •  https://southofyemen.org/l?a4007 
    مركز الجنوب اليمني |

    الحدث 

    بين فترة وأخرى، تنفجر صراعات داخليَّة بين تشكُّلات "المجلس الانتقالي" المسلَّحة، والمدعومة إماراتيًّا؛ كان آخرها المواجهات الدَّامية بحي "كريتر"، وسط مدينة عدن، في الأوَّل مِن أكتوبر الجاري، بين قائد معسكر عشرين السَّابق، التَّابع لـ"المجلس الانتقالي"، إمام النُّوبي، وبين قوَّات تابعة لـ"المجلس الانتقالي". أدَّت إلى مقتل وإصابة العشرات، وكانت لها آثارها المباشرة على الأمن والاستقرار في المدينة، إلى أن هدأت بسبب ما قيل إنَّه ضغط سعودي مورس على الأطراف المتصارعة.

    هذا الحدث يأتي في ظل حالة من الانفلات الأمني تعيشها العاصمة المؤقتة عدن، كان آخرها استهداف موكب محافظة المحافظة أحمد حامد لملس بسيارة مفخخة، وتزامن هذا الحدث مع سابقه يكشف عن حالة من الفوضى الأمنية العالية في المدينة الخاضعة لسيطرة "المجلس الانتقالي".

    ولعلَّ السُّؤال الأهمَّ في هذا الموضوع: ما هي أسباب مواجهات عدن؟ وما أثر ذلك في مستقبل "المجلس الانتقالي" في ظلِّ هذا الصِّراع والانفلات الأمني؟

    سياقات الحدث:

    طبيعة الأحداث الَّتي جرت داخل عدن، بين التَّشكيلات المسلَّحة، التَّابعة لـ"المجلس الانتقالي" المدعوم إماراتيًّا، تحكمه عدَّة عوامل تكشفها جملة مِن السِّياقات الزَّمانيَّة والمكانيَّة. وأثبتت المواجهات الأخيرة أنَّ التَّنازع بين هذه التَّشكيلات قد يصل حدَّ الصِّراع المسلَّح على النُّفوذ والمصالح، في إطار التَّنافس القائم بين قياداتها.

    أوَّلًا: المواجهات بين الأسباب المباشرة وغير المباشرة:

    الرِّواية الأكثر انتشارًا لسبب الصِّراع، الَّذي دار مؤخَّرًا في عدن، هي أنَّ قائد معسكر عشرين السَّابق، إمام النُّوبي، قام مساءَ الجمعة، الأوَّل مِن أكتوبر، باعتقال عدد مِن عناصر شرطة "كريتر"، بينهم قريب لقائد "الحزام الأمني" في محافظة لحج، صالح السَّيِّد، وذلك ردًّا على اعتقال مركز الشرطة لعناصر تابعة للنُّوبي، خلال الاحتجاجات الأخيرة في المدينة والمندِّدة بتدهور الوضع. غير أنَّ الواقع يشهد بوجود أسباب أخرى، غير مباشرة، لهذا الصِّراع؛ وما أحداث "كريتر" إلَّا إحدى انعكاسات هذه الأسباب؛ ولعلَّ مِن أهمِّها:

    1. تضارب المصالح وصراع النُّفوذ:

    لا تخضع قيادات "المجلس الانتقالي" في أغلبها لهدف واحد، وتحرِّكُها أطماع شخصيَّة مختلفة. فهذه القيادات لا تصدر عن عقيدة قتاليَّة واضحة ومتماسكة، وهذا انعكس -بدوره- على الخلافات القائمة بين هذه القيادات، بفعل تضارب المصالح والصِّراع على النُّفوذ، على مستوى الاستثمارات والتِّجارة وموارد الدَّولة والأراضي والمرافق العامَّة.

    ومِن شواهد ذلك، خلاف عيدروس الزَّبيدي مع قيادة الدَّعم والإسناد، ممثَّلة بمحسن الوالي، ونائبه نبيل المشوشي، ما أدَّى إلى انفجار الأحداث في يونيو الماضي، بين قوَّات اللِّواء الثَّالث دعم وإسناد والقطاع الثَّامن "حزام أمني"، وأسفر عن سقوط قتلى وجرحى؛ لأسباب تتعلَّق باقتسام إيرادات النِّقاط الأمنيَّة والعسكريَّة، الخاضعة لقوَّات "الحزام الأمني" و"قوَّات الدَّعم والإسناد"، والَّتي يقدَّر حجمها بـ20 مليون ريال يمني يوميًّا. وقد رفض القيادي محسن الوالي اقتسام هذه الإيرادات بحجَّة أنَّ بقيَّة القوَّات، مثل أمن عدن وقوَّات العاصفة، لديهم إيرادات الميناء وأسواق القات، وإيرادات أخرى كثيرة.

    1. الصِّراع المناطقي:

    أغلب التَّشكيلات المسلَّحة التَّابعة لـ"المجلس الانتقالي" تخضع لقيادات مِن محافظات أخرى، مِن غير مدينة عدن، ووجود أبناء مدينة عدن فيها محدود جدًّا. فقوَّات الإسناد والحزام، الَّتي تسيطر على شمال عدن، الوجودُ الأغلبُ فيها هو لأبناء مديريَّات يافع، بينما يغلب على قوَّات العاصفة والشُّرطة أبناء الضَّالع. وهناك صراع محموم بين محور يافع ومحور الضَّالع في المجلس، حيث يحظى الطَّرف اليافعي، بقيادة محسن الوالي ونبيل المشوشي وهدَّار وناصر الشَّوحطي، بدعم القيادي في رئاسة الانتقالي عبدالرَّحمن شيخ اليافعي، ويسعى هذا الطَّرف للسَّيطرة على كامل عدن ولحج، بحجَّة أنَّهم أكثر تضحية مِن غيرهم؛ بينما يحظى الطَّرف الضَّالعي، بقيادة شلَّال شايع وعبدالدَّائم الضَّالعي، بدعم فضل حسن الضَّالعي وفضل الجعدي وعبدالسَّلام حميد، ويتحكَّم هذا الطَّرف بقوَّات العاصفة المسيطرة على أجزاء واسعة مِن عدن أمنيًّا وعسكريًّا.

    وقد أجرت "أبريل لونجلي آلي"، المدير السَّابق لمجموعة الأزمات الدُّوليَّة في منطقة الشَّرق الأوسط وشمال أفريقيا، استطلاعًا داخل عدن، خلصت فيه إلى وجود تصوُّر بأنَّ قوَّات "الحزام الأمني" في عدن تعتمد أكثر ممَّا ينبغي على الأفراد الَّذين تجنِّدهم مِن الضَّالع ولحج، وأنَّ "المجلس الانتقالي" الجنوبي لا يمثِّل عدن بالشَّكل الكافي.

    هذه الحالة مِن استناد التَّشكيلات الأمنيَّة والعسكريَّة القائمة على البعد المناطقي، مع غياب العقيدة القتاليَّة والتَّنازع على المصالح والتَّنافس على النُّفوذ، تؤدِّي إلى دورات مِن الصِّراع الدَّاخلي، كما حصل في ثمانينيَّات القرن الماضي في عهد جمهورية اليمن الدِّيمقراطيَّة الشَّعبيَّة. وهي تثير بين فترة وأخرى حساسيَّة أبناء عدن، الَّذين يشعرون بأنَّ مدينتهم ساحة حرب للأطراف المتصارعة مِن خارجها، وتثير كذلك حساسية بقية المنتمين لـ "المجلس الانتقالي" من المحافظات الجنوبية.
     

    (جدول يوضِّح أهمَّ القيادات الأمنيَّة والعسكريَّة الموجودة في عدن وانتمائها)

    قيادات الضالع 

    الصفة 

    قيادات يافع  

    الصفة 

    قيادات ردفان وأبين  

    الصفة 

    عيدروس الزبدي 

    رئيس المجلس الانتقالي 

    عبدالرَّحمن شيخ اليافعي

    عضو هيئة رئاسة الانتقالي

    ناصر الخبجي 

    عضو هيئة رئاسة الانتقالي 

    أوسان العنشلي 

    قائد قوات العاصفة 

    محسن الوالي

    قائد الحزام الأمني وقوات الدعم والإسناد

    مراد الحالمي 

    عضو هيئة رئاسة الانتقالي

    فضل الجعدي 

    عضو هيئة رئاسة الانتقالي

    جلال الربيعي

    نائب قائد قوات الحزام الأمني  

    عبداللَّطيف السَّيِّد

    قائد الحزام الأمني في أبين 

    عبد السلام حميد 

    عضو هيئة رئاسة الانتقالي ووزير النقل

    نبيل المشوشي

    قائد اللواء الثالث دعم وإسناد 

    كمال الحالمي

    قائد الحزام الأمني في المنصورة بعدن 

    شلال شايع 

    مدير أمن عدن السابق

    هدَّار الشَّوحطي

    قائد اللواء الرابع دعم وإسناد  

    أحمد محمود الرَّدفاني

    قيادي في الحزام الأمني بعدن 

    عبد الدائم الضالعي

    مدير مكتب مدير عام شرطة عدن 

    ناصر الشَّوحطي

    قائد الحزام الأمني في عدن سابقًا 

    عثمان معوضة

    قائد اللواء 14 صاعقة

     

    فضل حسن العمري

     

    قائد المنطقة الرابعة 

       

    مختار النوبي 

    شقيق إمام النوبي ونائب قائد الحزام الأمني سابقًا 

    أبو مهتم الضالعي

    قائد كتيبة الأمن الخاصة  

           

    منيف الزبيدي

    قائد الكتيبة الثانية عاصفة

           

     

    يبدو أن هناك جهود لتشكيل قوة ثالثة تتمثل في أبناء ردفان بلحج، وهي لا تقل شأنًا عن يافع والضالع، ولا سيما أن ردفان أكبر من الضالع من ناحية الكثافة السكانية والكفاءات العسكرية، وتحاول قيادات ردفان كسب أبناء عدن لهذه القوة الثالثة، ويبدو أن لناصر الخبجي دور في هذا المخطط.

    ت- أجندات الممول الخارجي:

    تخضع التَّشكيلات المسلَّحة التَّابعة لـ"المجلس الانتقالي"، في أغلبها -ماليًّا وإداريًّا- للإمارات؛ ولا تستجيب لتوجيهات الحكومة الشَّرعيَّة، بل عملت على منع حضورها وتمكُّنها في عدن. وهذا أعطاها استقلاليَّة عن الدَّولة وقدرة على التَّحرك استنادًا لقوَّتها وما تملكه مِن سلاح وذخيرة ومقاتلين. لهذا فقد توزَّعت مدينة عدن إلى كنتونات نفوذ لهذه التَّشكيلات المسلَّحة، تمارس فيها صلاحيَّاتها كما تشاء، دون رقابة أو محاسبة.

    مؤخَّرًا، برز على المشهد دور سعوديٌّ منافس للإمارات في المحافظات الجنوبيَّة، لطبيعة الحضور السُّعودي في الملفِّ اليمني، باعتبارها قائدة "التَّحالف العربي"، والأسبق في علاقاتها بالأطراف اليمنيَّة المختلفة، السِّياسيَّة والاجتماعيَّة والعسكريَّة، والمؤثِّر الأكبر في الشَّأن اليمني تاريخيًّا.

    وهناك أنباء عن دعم السُّعوديَّة، عبر قوَّاتها الموجودة في مدينة عدن، لإمام النُّوبي وبعض التَّشكيلات العسكريَّة الخاصَّة، وانتقال ولاء هذه القيادات والتَّشكيلات مِن التَّبعيَّة للإمارات إلى الولاء للسُّعوديَّة. وهذا بدوره سيضيف إلى الصِّراع القائم على البعد المناطقي، وتضارب المصالح وتنازع النُّفوذ، عامل الأجندات الإقليميَّة ممثَّلة في الدَّور السُّعودي والإماراتي، إذ ستكون هذه التَّشكيلات إحدى أدوات التَّنافس على النُّفوذ بين النِّظامين السُّعودي والإماراتي.

    (جدول يوضِّح طبيعة الأحداث الأخيرة في عدن) 

    القوَّة 

    تاريخ التَّأسيس 

    المؤسِّس

    صفة المؤسِّس

    طبيعة التَّجهيزات 

    مصدر الدَّعم 

    المهام 

    ملاحظات

    قوَّات إمام النُّوبي

    ((ما أسم معسكره؟؟))

    2017

    إمام النُّوبي

    قيادي سابق في الحزام الأمني وقائد معسكر 20 سابقًا.

    محدودة لا تتجاوز مئات المسلَّحين وعشرات العربات.

    سعودي في أغلبه،

    ومِن بقايا الدَّعم الإماراتي السَّابق. 

    أوكل لرئيسها سابقًا حراسة قصر المعاشيق ومطار عدن 

    قبل سحب المعسكر مِنه.

    أقيل النُّوبي مِن منصب قيادة معسكر 20، وانضمَّ مؤخَّرًا للمحتجِّين ضدَّ تردِّي الأوضاع. 

    قوَّات العاصفة 

    2017

    المجلس الانتقالي 

    مكوِّن عسكري غير رسمي يسيطر على عدن وبعض المدن الجنوبيَّة. 

    عالية، ومدعومة بشكل كبير. 

    إماراتي.

    تحلُّ محلَّ قوَّات الشُّرطة والأمن الرَّسميَّة، وتسيطر على معظم عدن.

     

     

    ثانيًا: المواجهات والسِّياقات الظَّرفيَّة:

    جاءت مواجهات "كريتر"، بمدينة عدن، بعد أيَّام قليلة مِن عودة رئيس الحكومة، الدُّكتور معين عبدالملك، مِن السُّعوديَّة إلى مدينة عدن، عقب الاحتجاجات الشَّعبيَّة الَّتي شهدتها المدينة منتصف شهر سبتمبر، مندِّدة بتدهور الأوضاع المعيشيَّة والخدمات وغياب الأمن وانهيار العملة، ومطالبة برحيل التَّشكيلات المسلَّحة ممثَّلة بـ"المجلس الانتقالي".

    سلسلة الاحتجاجات الشَّعبيَّة في مدينة عدن، دفعت رئيس "المجلس الانتقالي"، عيدروس الزَّبيدي، لإعلان حالة الطَّوارئ العامَّة في عموم محافظات الجنوب، حتَّى إشعار آخر؛ موجِّهًا التَّشكيلات المسلَّحة التَّابعة له برفع الجاهزيَّة القتاليَّة القصوى، ورفع حالة التَّأهُّب.

    كما أعقب هذه المواجهات حالة الاستهداف التي تعرض لها محافظ محافظة عدن أحمد حامد لملس ووزير الزراعة والثروة السمكية سالم السقطري بسيارة مفخخة أسفرت عن مقتل وإصابة العشرات، وقد جاء هذا الاستهداف بعد ما قيل إنه تعاون أمني من المحافظ والوزير مع الحكومة الشرعية.

    محلي وتنفيذي المنصورة يدين ويستنكر محاولة إغتيال محافظ عدن أحمد لملس

     

    وتأتي هذه المواجهات والانفلات الأمني في مدينة عدن، في ظلِّ ضغوط دوليَّة لعودة الحكومة وممارسة مهامها، وتنفيذ "اتِّفاق الرِّياض"، وهو ما يعني أن هذه التَّشكيلات ستفقد صلاحيَّاتها ومصالحها ونفوذها قريبًا لصالح الدَّولة والأجهزة الحكوميَّة، ما يدفعها إلى تسريع وتوسيع وتعجيل مكاسبها الميدانيَّة والماديَّة، خاصَّة وأنَّها تشكَّلت خارج إطار الدَّولة وبشكل نفعي.

    المحدِّدات الحاكمة لمستقبل الصِّراع داخل "المجلس الانتقالي":

    مستقبل الصِّراع بين أجنحة "المجلس الانتقالي" مرتبط بعدد مِن المحدِّدات الحاكمة، الَّتي في ضوئها يمكن استشراف مسارات الأحداث وإلى أي مدى يمكنها أن تؤثِّر على تماسك "المجلس الانتقالي" أو وجوده أساسًا:

    1. العلاقة بين الإمارات والسُّعوديَّة:

    نظرًا لطبيعة الوجود السُّعودي والإماراتي في اليمن، فإنَّ مستقبل الأحداث المرتبطة بـ"المجلس الانتقالي" محكوم بطبيعة العلاقة بين الدَّولتين، سواء في اليمن أو في المنطقة عمومًا.

    وحيث كان مِن المفترض أن يكون للقوَّات السُّعوديَّة، المتمركزة بالقرب مِن مسرح الأحداث الَّتي شهدتها "كريتر"، دور حاسم منذ بداية المواجهات، خصوصًا وأنَّ عددًا مِن الفصائل العسكريَّة التَّابعة لها موجودة في عدن، وهي مسئولة عن أمن المدينة، ومتابعة تنفيذ "اتِّفاق الرِّياض"؛ إلَّا أنَّ القوَّات السُّعوديَّة في عدن التزمت الصَّمت والحياد ظاهريًّا؛ وجاء تدخُّلها متأخِّرًا لتهدئة الأحداث.

    ومع تقديم القوَّات السُّعوديَّة بعدن بعض أشكال الدَّعم لقوَّات النُّوبي، فإنَّ علامات الاستفهام تحيط بالدُّور السُّعودي حول الأحداث الأخيرة؛ إذ يرى بعض المراقبين بأنَّها محاولة سعوديَّة للضَّغط على "المجلس الانتقالي" لتنفيذ "اتِّفاق الرِّياض"، وتسهيل عودة الحكومة.

    هذا الصراع بين أجنحة أبو ظبي والرياض قد يفسر حالة الانفلات الأمني الحاصل، والمواجهات والأحداث الأمنية التي تعيشها مدينة عدن منذ سيطرة "المجلس الانتقالي"، والتي كان آخرها استهداف موكب محافظ المحافظة.

    1. طبيعة الانسجام داخل "المجلس الانتقالي":

    يتكوَّن "المجلس الانتقالي"، والتَّشكيلات المسلَّحة التَّابعة له، مِن مجموعات غير متجانسة فكريًّا وسياسيًّا، ولها انتماءاتها المناطقيَّة والقبليَّة، وتحكمها علاقات المصالح والنُّفوذ خاصَّة. ومِن طبيعة مثل هذه التَّشكيلات عند امتلاك المال والسَّلاح التَّصرُّف بناء على انتماءاتها العصبويَّة الضَّيقة ومصالحها الفئويَّة الخاصَّة، دون اعتبار لمآلات الأحداث ونتائجها على المصالح الوطنيَّة. وما لم تُحكَم هذه التَّشكيلات بمرجعيَّة الدَّولة، وتصدر عن حكومة واحدة، فإنَّ مبدأ التَّنازع والصِّراع بينها مِن منطلق الاحتكام للقوَّة سيظلُّ هو المهيمن عليها، ما يعني استمرار مسلسل المواجهات.

    1. الأهداف الإستراتيجيَّة للإمارات في المنطقة:

    تسعى الإمارات لاستغلال جغرافيا اليمن لممارسة نفوذها في الخليج وأفريقيا وآسيا، مِن خلال تشجيع استخدام طرقات شحن بديلة ومكمِّلة لطرقاتها الرَّئيسة انطلاقًا مِن ميناء "جبل علي" في دبي؛ كما يساهم ذلك في الحدِّ مِن المشكلة الَّتي تلوح في الأفق جرَّاء "تخمة المرافئ" في شمال الخليج. وقد بنت الإمارات مؤخَّرًا قواعد عسكريَّة في القرن الأفريقي، مثل قاعدة "عصب" العسكريَّة في إريتريا، وقاعدة "بربرة" في جمهوريَّة أرض الصُّومال، وأعادت مؤسَّسة خليفة بن زايد آل نهيَّان بناء ميناء "حولاف" في محافظة سقطرى؛ وقد حُوِّلت بعض هذه الموانئ التِّجاريَّة، مثل "بربرة"، إلى مواقع بحريَّة إماراتيَّة.

    بناء على ذلك سعت الإمارات، منذ بداية التَّدخُّل العسكري في اليمن، إلى السَّيطرة على المناطق الَّتي توجد بها الموانئ والجزر وحقول النِّفط، وتوظيف تشكيلات مسلَّحة تابعة لها، وخارجة على الدَّولة اليمنيَّة، لتحقيق هذه الأهداف. وطالما استمرَّت الإمارات في بناء هذه الجيوب والمليشيا المسلَّحة فإنَّها ستسهم في خلق صراعات داخليَّة بينيَّة بين الأطراف المختلفة.

    1. غياب الحكومة اليمنيَّة:

    غياب الحكومة اليمنيَّة شبه الكُلِّي عن مدينة عدن، والمناطق المحرَّرة عمومًا، وتأخُّر تنفيذ الشِّق العسكري والأمني مِن "اتِّفاق الرِّياض"، بين الحكومة الشَّرعيَّة و"المجلس الانتقالي"، أدَّى إلى اختلال الوضع الأمني في عدن. وزيادة التَّأخُّر عن هذا التَّنفيذ وطول غياب الحكومة سيسمح بتمكين التَّشكيلات المسلَّحة الخارجة عن سلطة الدَّولة، ويعزز تنافسها على المصالح والنُّفوذ لملء الفراغ الحاصل، ما يسهم في تكرار المواجهات البينيَّة، بين فينة وأخرى.

    السِّيناريوهات:

    المواجهات الَّتي عاشتها مدينة عدن بداية شهر أكتوبر الجاري، كانت لها انعكاساتها السَّلبيَّة على أوضاع المدينة. وفي ظلِّ بقاء هذه التَّشكيلات المسلَّحة، التَّابعة لـ"المجلس الانتقالي"، على هذا الوضع المنفلت وغير المتحكَّم به، يضعنا أمام مسارين رئيسين:

    1. مسار تجدُّد المواجهات:

    يتوقَّع هذا السِّيناريو تجدُّد المواجهات بين كلِّ فترة وأخرى، بين تشكُّلات "المجلس الانتقالي" المسلَّحة، سواء بين أطراف المواجهة السَّابقة أو غيرها، لعدد مِن المؤشِّرات:

    • وجود خلافات داخليَّة بين قيادات ومكوِّنات "المجلس الانتقالي" للأسباب المذكورة سابقًا.

    • صراع النُّفوذ بين الإمارات والسُّعوديَّة في المحافظات الجنوبيَّة ومدينة عدن.

    • غياب الحكومة الشَّرعيَّة.

    ويضعف هذا السِّيناريو، محاولات التَّحالف احتواء الأحداث، حتَّى وإن حدث ذلك متأخِّرًا؛ لكنَّه يدلُّ على وجود سقف محدَّد للصِّراع. إضافة إلى الوعود السُّعوديَّة بتنفيذ "اتِّفاق الرِّياض"، والَّذي سيؤدي -حال كانت هناك جدِّيَّة في تنفيذه- إلى تخفيف حدَّة الصِّراع وتكرُّره.

    1. سيناريو الهدوء:

    يفترض هذا السِّيناريو أن تكون هناك حالة مِن الهدوء الدَّائم داخل مدينة عدن، بضغط مِن أطراف التَّحالف، لترسيخ الأمن والاستقرار بشكل جاد. ومِن مؤشِّرات هذا السِّيناريو:

    • التَّدخُّل السُّعودي لتهدئة المواجهات الأخيرة، وقد يعجِّل بالضَّغط نحو تنفيذ "اتِّفاق الرِّياض".

    • أنَّ الصِّراع ليس مِن مصلحة "المجلس الانتقالي"، وبالتَّالي قد توضع آليَّات ومحدِّدات لضبط حالة تنازع النُّفوذ والمصالح بين قيادات المجلس ومكوِّناته.

    ويضعف هذا السِّيناريو، غياب العقيدة القتاليَّة الواضحة لدى التَّشكيلات المسلَّحة التَّابعة لـ"المجلس الانتقالي"، وتوسُّع دائرة الاستقطاب داخل الأطراف المتصارعة؛ خصوصًا استقطاب أبناء ردفان وأبين وعدن لصالح يافع أو الضَّالع، وهذه الحالة تنذر بصراعات قادمة.

    الخلاصَّة:

    هناك حالة مِن التَّنافس بين قيادات ومكوِّنات "المجلس الانتقالي"، لحيازة أكبر قدر مِن النُّفوذ والمصالح؛ وهي تدفع إلى وجود تضارب وتنازع عليها قد يحتكم إلى قوَّة السِّلاح، في ظلِّ عوامل عدَّة مساعدة على تأجيج الصِّراع، بعضها محلِّي والآخر خارجي. وغياب الحكومة اليمنيَّة، مع عدم تنفيذ "اتِّفاق الرِّياض" في شقِّه الأمني والعسكري سيبقي الباب مفتوحًا على مصراعيه لتبقى مدينة عدن ساحة للصِّراعات المسلَّحة بين مكوِّنات "المجلس الانتقالي" المهيمن على المشهد مع ما يحمله مِن تباينات وتناقضات داخليَّة.

    غير أنَّ "المجلس الانتقالي" سيبقى حاضرًا في المشهد، لأنَّه يعطي أجنحته الدَّاخليَّة والقوى الإقليميَّة مبرر الوجود والحركة. لذلك سيتمُّ ضبط أي مواجهات مستقبليَّة بما لا يتسبَّب في انهيار المجلس وما تأسَّس عليه مِن مصالح ونفوذ وأجندات.

     

  •  
      
    مقتطفات
      
     
    جميع الحقوق محفوظة لمركز الجنوب اليمني للدراسات © 2023، تصميم وتطوير